الأربعاء، 21 يونيو 2017

🌿| •° *وقفات مع سورة الحديد* °• |🌿

(١)

سورةٌ عظيمة وكل القرآن عظيم ..

سورةٌ عميقةٌ لمن تأملها ووقف على أسرارها ..

سورةٌ لها في قلب قارئها مذاقاً خاصاً، مذاقاً مختلفاً، فبعض آياتها فيها من القُرب والأمل والخشوع والمعاني ما يأتي على جرح الإنسان فيبرأ ..!

 
تتنقّل بصاحبها بين لذائذ وطعوم ولا عجب ولا غرو فهي سورةٌ تدور حول :

[ *تحقيق الإيمان، ترسيخ الإيمان* ]


والإيمان له لذةٌ تُذاق بالقلب،
له حلاوة أحلى من العسل ..

كل لذة فيه تختلف،
كل طعم يختلف،
كل لحظة معايشة فيه تختلف ..

ومازال صاحب الإيمان يتذوق إيمانه كما يتذوق صاحب النخيل تمره ..


أذاقني الله وإياكم حلاوة الإيمان ولذاته وطعومه ،،،

____________
 

(٢)

مما يستوقف المتدبر أن تأتي سورة تدور حول تحقيق الإيمان بالرغم من أنها تخاطب مؤمنين..!

*والجواب على هذا :*

أن الله عزوجل لا يريد إيماناً يدعيه صاحبه ادعاءً،

لا يريد إيماناً هشاً ضعيفاً مهزوزاً لا يعين الإنسان على نفسه، ولا يغير سلوكه وحياته، ولا يعينه على طاعة ولا بذل ولا اجتهاد ..

الله عزوجل لا يريد إيماناً ما هو إلا مجرد مظهر خارجي فارغ..!

إنما يريد  *إيماناً حقيقياً*، إيماناً راسخاً صادقاً، يؤثر في حياة الإنسان ..
يصقل شخصيته ،
يربي قلبه ،
يهذب نفسه ،
يكفكف شهواته ..

إيماناً كله نور يبدد الظلمة التي تحيط بالإنسان، ظلمة الجهل وظلمة الطبع وظلمة الغفلة وظلمة الهوى ..

إيماناً ينطلق بصاحبه فما تراه إلا حارثاً هماماً ، من خير إلى خير، ومن طاعة لطاعة وكأنما قد جمع سير الليل والنهار ..  

إيماناً يُرزق به الإنسان بصيرةً وفرقاناً ..


*والناس فيما يبصرونه بأعينهم في الدنيا على أقسام :*
أعمى وأعشى و ذو بصرٍ وزرقاء اليمامة ..
وكذلك هم في بصيرة قلوبهم ..

وإبصار القلوب إنما يتفاوت بتفاوت الإيمان.

إيماناً يصنع رجالا ،
يصنعُ أناساً من جديد ...

____________
 
 
(٣)


*{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }*


• *بدأت السورة بالتسبيح،* والمتأمل في كتاب الله يجد أن التسبيح جاء بصيغة الماضي، والمضارع، والأمر، وفي هذا إشارة :

أن جميع أوقات الزمان ولحظاته وثوانيه مملؤوة بالتسبيح،
فهو تسبيح مستمر لا ينقطع ..

الكون كله يسبح ..
السموات تسبّح، الجبال تسبّح، الرعد يسبّح، الأشجار تسبّح، الدواب تسبّح، الحوت يسبّح ..
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }


و *التسبيح* : تنزيه الله عن النقائص وعن كل ما لا يليق به،
فهو تعظيمٌ لله وإشارةٌ أن هذا الكون كله خاضعٌ لعظمته جل جلاله ..

ثم ختمت الآية بإقتران يصب عظمة الله في القلوب
فالله مع عزته فهو حكيم ..

*فالعزيز:* هو الذي قهر كل شئ ولا يستعصي عليه شيء، لا يُغالب ولا يُمانع، ولا يقوى أن يعارضه أحد ..!

ومع ذلك فهو حكيم سبحانه وبحمده لا يظلم أحداً من خلقه، ويضع كل شئ في موضعه ،،،

____________
 
(٤)

*عرضت السورة أسبابا لتحقيق الإيمان وزيادته :*

*أولها /*
أن تعرف ربك بأسمائه وصفاته ،،،

فهذه المعرفة لها أثر كبير في صلاح القلب وتهذيبه وزيادة الإيمان فيه ..

• فمن عرف أن ربه [الأول] الذي ليس قبله شيء ..

هو الذي خلق وأعدَّ وأمدّ ، هو الذي يخلق  الأسباب ويأتي بها  ويعين على الإنتفاع بها ولو شاء أن يمضيها أمضاها ولو شاء أن  يعطلها عطلها ..!
فهو قبل الأسباب كلها ..


• وهو [الآخر] الذي ليس بعده شيء ..

فلو انقطعت كل الأسباب وانتهت و عُدمت ..
يبقى لطف الله ،
يبقى  عطاء الله ،
وأن الله  يعطي بدون أسباب، ويبقى وحده بعد الأسباب كلها ..!


• فكلما عنى لك شيء *فاجعل التفاتة قلبك الأولى لربك،* واستعن به، واطلبه تهيئة السبب لك ..

ضع أقدامك في منزلة التفويض 
فالعبدُ إذا فوّض جاء الفرج ..

حط مركبك في منزلة التوكل فهو المركب الذي لا يتأتى السير بدونه، ومتى نزل عنه العبد انقطع ..
 

لا تركن للأسباب، ولا تعلق قلبك بها ولا تحط ركابك عندها، وإنما علقه بمسبب الأسباب جل جلاله فالأمر منه ابتدأ وإليه يرجع.

• إن عرفنا هذه المعرفة عن ربنا وسلمنا قلوبنا بكل شُعبها له، فكم وكم سيزيد إيماننا..؟

____________ 


(٥)

*تابع للسبب الأول من أسباب زيادة الإيمان :*
معرفة الله بأسمائه وصفاته ،،،

• الله هو [الظاهر] الذي ليس فوقه شئ ..

فهو عالٍ بذاته فوق خلقه، مستوٍ على عرشه، إليه تُرفع الأعمال ..
قادرٌ على إنفاذ أمره في الوقت الذي يريد على الصورة التي يريد ، لايُعجزه شئ ولايمتنع عليه شئ ولا يستعصي عليه شئ . 


• وهو [الباطن] الذي ليس دونه شئ ..

هو أقرب لعباده من أنفسهم، فالله مع علّوه فهو قريب ..

قريبٌ من الداعين، قريبٌ من الساجدين، قريبٌ من أهل قيام الليل، قريبٌ من المنكسرة قلوبهم، قريبٌ من أهل العبادة ..

الله قريبٌ ممن اقترب منه،
من تقرب إليه شبراً تقرب منه ذراعاً ..
ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب منه باعاً ..
ومن يأتيه يمشي أتاه هرولة ..!

وقرب الله ليس كقرب غيره ، 
وما خاب من اقترب ..

يقول ابن القيم رحمه الله:
"التعبدُ بإسم الله الباطن أمرٌ يضيقُ نطاق التعبير عن حقيقته
ويكلّ اللسان عن وصفه..!! "

____________
 
(٦)

● السبب الثاني من أسباب زيادة الإيمان هو :
*الإنفاق في سبيل الله ،،،*

• هذا المال حقيقته أنه مال الله، أنت مستخلفٌ فيه، جعلك الله وكيلا عليه، وسيأتي من بعدك من يخلفك في هذا المال ..
فطالما أنه الآن بين يديك فأنفق منه واشتري ما عند الله ..!

• لا تبخل على نفسك،
لا تنتظر أحدا يُحركك ..
فالله يقول : { لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ }


• لاتحقرن من المعروف شيئاً، فخير الصدقة جُهد المُقلّ، تصدق ولو بتمرة ..
فإن الله أدخل امرأة الجنة بتمرة قسمتها بين بنتيها..!

ولو برغيف خبز فإن رغيف خبز رجح بميزان عابد عبد الله سبعين عاما..!!


• إذا كان الله جعل جزاء من يُفسح في المكان أن يُفسح له بتوسعة المنازل في الجنة وتوسعة الرزق في الدنيا .. 
فكيف بمن نفس كربة عن مسلم؟ 
وكيف بمن قضى ديناً عن مسلم؟
وكيف بمن دفع تكاليف عملية أو علاج لمسلم ؟


• ربكم الغني، ربكم الكريم البر المحسن الوهاب يستقرضكم ..!
وقرض الله مردود لا محالة، وليس فقط سيرده بل سينميه ويربيه ويزيده لكم ويعطيكم عليه أجرا كبيرا ..
وكبيرٌ من الله ليست كما يقولها البشر..!

فأقبلوا بأرواحكم وقلوبكم وأموالكم على ربكم فالسوق مازالت قائمة ..
والرب كريم ،،،

____________
 
(٧)

• { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا}

*[نفي الإستواء]* هذه قاعدة في القرآن، نأخذ منها درساً عظيماً وهو :
أن السبق له ميزته ..!
وأن من سبق إلى الخير فهو أحق به .


لا يستوي من أسرع كمن أبطأ ..
ولا يستوي من قدمه الله مع من أخره ..
فالله هو المقدم وهو المؤخر، يقدم من يستحق التقديم ويكون أهلا له، ويؤخر من يستحق التأخير ويكون أهلا له ..

وفي الحديث : "لا يزال أقوامٌ يتأخرون حتى يؤخرهم الله"

فإذا كان الإنسان هو الذي يريد أن يؤخر نفسه فيأتي ربه متململا متثاقلا فاتر الهمة والعزيمة هل ينتظر من ربه أن يقدمه؟!


الله لا يعطي العلم والخير والفضل والسبق إلا لمن يريده، لمن يسعى له ، لمن يحرص عليه ..

فبادر وكن سباقاً ولا تنتظر أن يحركك أحد ..!

فمن أتعب نفسه لله فإن الله يريحه،
ومن بذل نفسه لله، بذل الله له أضعافاً مضاعفة ...

____________
 
(٨)

{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }


• الآية تصف نوراً خاصاً بالمؤمنين، إنه أحد جزاءات الإيمان ..

• *هذا النور ما وصفه وما توقيته؟*
إنه في يوم القيامة، إذا كورت الشمس، وخسف القمر، والناس في ظُلمة، ونُصب الصراط على متن جهنم ..
حينئذٍ ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم ..


• هذا النور ليس في مكانه بل هو نورٌ يمشون به،
يسير معهم،
يصحبهم،
يتنقلون به،
يجتازون به الصراط ...


• *هذا النور يتفاوت ..*
منهم من يكون نوره كالشمس، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم كالشمعة،
ومنهم كقدر إصبعه،
ومنهم من يمتد نوره كما بين المدينة وصنعاء، كما جاء في  الأثر .


• والعجيب أن هذا النور لاينفع إلا صاحبه فقط ..
ولا يمشي ولا يتحرك فيه إلا صاحبه فقط..!
لأن مصدره إيمانه و عمله الصالح ..


• فبقدر ما معك من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا سيكون معك من النور في الآخرة ..

• هذا النور لا يُستدرك هناك..!
من لم يحصّله في الدنيا لن يحصّله في الآخرة ..
ومن لم يحمل نوره معه من دنياه لن يأتي يوم القيامة ومعه نور.

*فكلما أكثرت من الأعمال الصالحة اُعطيت نوراً، وكلما فرطت قلّ هذا النور.*

رزقني الله وإياكم نوراً ممتداً كالشمس نفرح به إذا وقفنا بين يدي ربنا،،،

____________
 

(٩)

*{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ...... }*
 
ألم يحن لهذه القلوب أن تلين وترق وتخشع حين تسمع كلام الله؟
أما زالت القلوب متحجرة؟
أما زالت القلوب قاسية؟!


● القسوة شقاء ..
   القسوة مرض ..
   القسوة بُعد ..

والقلب إذا قسا قلّ خيره، وقلّ نفعه، وقلت بصيرته، وقلّ توفيقه ..!

من أعظم الغبن أن يُحرم الإنسان البكاء من خشية الله .. البكاء من التأثر بالقرآن، أن تجف دموعه ، أن ييبس قلبه، إنه حرمانٌ كبيرٌ موحشٌ موجع ..
أعاذنا الله منه ،،،


● والقرآن هو العلاج، هو الشفاء، هو الروح ..

• من أكثر من القرآن رُزق الإيمان.
    
• ومن أكثر من القرآن أُكرم بحياة القلب ولين القلب وكثرة النور وكثرة البركة .

 • ومن أكثر من القرآن رُزق السعادة *{ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ }*
لن تشقى إذا تعلقت بهذا القرآن، فالقرآن كله رحمة، ومن رحمه الله فلن يشقى ...

____________
 

(١٠)

*{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ }*
 

● من أراد زيادة الإيمان فليعلم حقيقة الدنيا حتى لا يغتر بها ..

• *إنما الدنيا لعب،* وما أكثر اللعب في حياتنا، كم وكم من بناتنا وأولادنا ومنا من أُهدرت حياته وضاعت بسبب اللهو واللعب ؟


• *زينة* .. تزينت الدنيا للناس كزينة النساء..!
خطفت أبصارهم ، ضحكت عليهم .. جعلتهم مشدودين لها، يجرون وراءها كلهم .. غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم ..

امتلأت القلوب بالدنيا..
حتى اُبتلينا بفقد السعادة في بيوتنا ..!

وكأن السعادة خرجت منها لتحل بدلا عنها الكآبة والتوترات والأمراض النفسية والمزاجات المتعكرة ..

ليحل فقدان الألفة وفقدان الرضا وفقدان القناعة وفقدان الرحمة والبر في بيوتنا ..

أصبحت بيوتنا ضجيجاً فقدنا فيه الصلة بربنا إلا مارحم الله ..


يقول الشبلي رحمه الله :
"من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها فصار رماداً تذروه الرياح .. ومن ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها فصار سبيكة ذهب يُنتفع به ..
ومن ركن إلى الله صار جوهراً لا قيمة له.."
أي لا يمكن أن يُقوّم بثمن ولا بقيمة.

____________ 
 

(١١)

*{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ...}*


• الإيمان بالقضاء والقدر من أعظم وسائل تقوية الإيمان وترسيخه ..

 وذلك بأن تعتقد أن كل ما أصابك من المصائب والأقدار هو بتقدير الله وبعلمه وإذنه ومشيئته، وأن قدر الله نافذٌ لا محالة.


• اعلم أن المدبر حكيم، ولن يقدّر عليك إلا ماهو خيرٌ لك ..!
أنت عبدٌ وسط تدابير الله، فإذا آلمك كربُ اختياره فاطمئن وأعلم أنك بين يديه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .


• انظر لكل مانزل بك أنه رحمةٌ ولطف، فالله كتب الرحمة على نفسه، والله لطيفٌ بعباده، ورحمته ولطفه لا ينفكان عنه ..


• ارضى عن ربك وعامله بالصبر وأحسن الظن به، فكل مصيبةٍ نزلت بك فجللتها بحسن الظن انقلبت رضاً وبركةً عليك ..


• استغني بربك حتى لو تخلى الناس عنك..!
حتى يكون الله وكيلك في هذا البلاء فيدبرك بأحسن تدبير ،،،

____________
 
🍀 جوال دار التوحيد | 

انشروه أحبة الخير وتذكروا الدال 
على الخير كفاعله 💦💗

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق