الأحد، 2 أبريل 2017

¤••~[..سلسلة تدبر سورة الفاتحة..]~••¤

••(١)

• فُتحَ بابٌ من السماء لم يُفتح قط، ونزلَ ملَكٌ من السماء لم ينزل قط، فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشره قائلا :
" أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة" ..

• أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها" ...

• هي أُم القرآن، وأُم الشيء: أفضله وأعلاه، وقد حوت على مقاصد الدين ومنازل العبودية.

• هي السبع المثاني التي تُقرأ وتُكرر في كل ركعة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

• هي الشافية، شفاءٌ لكل أمراض الإنسان الحسية والمعنوية...

نحنُ أمام سورة عظيمة وكل القرآن عظيم، ولكن الله اختارها لتكون أفضل وأعظم سورة في كتابه...

••(٢)
• من أراد أن يكون عبدا لله، ويدخل في مدرسة العبودية، وينضم إلى تلك الكوكبة الشريفة التي وصفهم الله أنهم عباد الرحمن، فعليه بتدبر سورة الفاتحة...

• إنها السورة التي تتحدث عن العبودية، وعلاقة العبد بربه...

• لفظ العبودية مشتقٌ من التعبد، والتعبد هو التذلل ..
والعبدُ ما سُمي عبد إلا لذلته وطاعته لسيده، فإذا جمع مع الذِلة حُباً أصبح عابدا حقيقيا ..!

وعبادةُالرحمنِ غايةُحبهِ
           مع ذُل عابدهِ هم قطبانِ

• والعبودية عبارة عن طريق فيه محطات، هي منازل العبودية يتقلب فيها السائر ويتنقل حتى يصل إلى ربه .... ويتذوق فرحة الوصول،،،

• يقول ابن رجب:
الوصول الى الله نوعان، الوصول الدنيوي: بأن تصل القلوب لمعرفته فتحبه ..
والوصول الأخروي: بالدخول الى جنته ..

ومن لم يصل إلى الله الوصول الأول لم يصل إليه الوصول الثاني الذي لا سعادة بعده ....

•• (٣)

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

• اُفتتحت بالحمد وكأن الحمد هو التحية التي يدخل بها العبد على ربه وهو في أول سُلم العبودية ...

• الحمد هو : الثناء على المحمود محبة وتعظيما..

 كلمة جامعة تجمع كل معاني المدح والشكر والثناء ..

كلمة ثقيلة تملأ الميزان ..

كلمة يبتدرها بضعٌ وثلاثون ملكا يتسابقون أيهم يكتبها..!
حين يرفع المصلي رأسه من الركوع ويقول ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ..

إنها من الخير الذي ملأ به الأعرابي يديه حين اشتكى حاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يارسول الله: إني عالجتُ القرآن فلم استطعه، فعلمني شيئا يُجزئ عن القرآن.
قال: "قل سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر " ... 
فلما خرج من عنده قال قد ملأ يديه خيرا ..!

• هي أفضل الدعاء ،،،
 فالعبد إذا انشغلَ عن حاجته بالثناء على ربه أعطاه الله أفضل ما يُعطي السائلين...
وعطاء الله أعلى من أن تدركه العقول أو تحيط به..

•• (٤)

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

• الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة في نفس المؤمن ليس مجرد لفظة يتلفظ بها في لسانه ..
إنما هو عبادة قلبية، يمرر فيها النعم على قلبه، ويستحضرها من أعماق أعماق فؤاده، حتى يقف عاجزا عن عدها وشكرها..!

• فيُحمدُ الله على كماله المطلق في أسمائه وصفاته وأفعاله ..

ويحمدُ على توحيده، فنعيش في هذه الدنيا لنرضي رباً واحداً، فتعدد طلب الرضا يُشتت القلب ..

ويُحمد بأن ما جعل رقابنا وقلوبنا مُلكاً للبشر ..

ويُحمد بأن ماجعل بيننا وبين رزقنا أحد {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ .....}

يُحمد على جميع نعمه الظاهرة والباطنة، من صحة ومال واهل وذرية وحسب ونسب، وعلم وفهم ..
عندها يصبح الحمدُ تربيةً، وسلوكاً، و واقعاً، ويصبح الحمد عبادة حقيقية ....

•• (٥)
{ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

• الرب : مشتقٌ من التربية، وهو في اللغة يدور حول ثلاث معاني:
السيد و المُصلح و المالك ..


• وتربية الله لعباده:

○تربية عامة: يربي جميع خلقه بالنعم والأرزاق والتدبير.

○ وتربية خاصة: وهي تربية القلوب، وهذه لخواص عباده.

• فالله يربي عباده ليُصلحهم، لينقلهم من حال النقص إلى حال الكمال، ليرقيهم شيئا فشيئا.

• وتربية الله لا تعدلها تربيةُ أحدٍ من البشر، وتأمل في قول الله لنبيه: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}

أي: ماتركك منذ اعتنى بك،
ولا أهملك منذ ربّاك ورعاك،
ولم يزل يربيك أكمل تربية ، ويُعليك درجةً بعد درجة ...

•• (٦)

{ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

● صور من تربية الله لعباده:

• الله يربي عباده بالمنع ويربيهم بالعطاء..

المنع يربينا، الألم يربينا، المرض يربينا..
الفقد يربينا .. الحزن يربينا، سلب النعم وقبضها يربينا...

فالله يربي عباده بالأقدار التي يجريها عليهم وإن كان في ظاهرها أنها مؤلمة ومتعبة وشاقة، إلا أن فيها إصلاحا لقلوبهم وحالهم و أوضاعهم .. و إكمالا لنقصهم وثغراتهم .. وتطهيرا وتصفية لذنوبهم ...

• وأما تربية الله لعباده بالعطاء والنعم والتسخير والتيسير والزيادة، ليرى الله مدى ثباتك على الدين بعد أن فُتحت عليك الأرزاق وجاءتك الدنيا ..
ليرى الله مدى انشغالك بالعطاء عن المعطي..!

ليرى الله كيف يكون شكرك..

فلا تغتر بالعطاء واسأل الله أن يجعله عونا لك على طاعته..

" واعلموا أن تحت اقدامنا مزالق إن لم ننتبه لها هلكنا..."

•• (٧)

{ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

● صور من تربية الله لعباده:

• أن الله يربي عباده بحلمه ،،،
فيكون هذا العبد مقيم على معصية الله ومصرّ عليها ومنغمس فيها ويستحق أن يخسف الله به ومع ذلك يُمهله ويُنظره ويربيه!!

يصرف له الآيات، يرسل له التنبيهات، قد تكون عقوبات نزلت بمن شاركونا المعصية عوقبوا هم ونجونا نحن...!

قد تكون كلمات، أو نظرات تُلقي في قلوبنا الخوف، وكأنها تقول إلى متى ....؟!

قد تكون بعقوبه تصيب منا العضو نفسه الذي عصينا الله فيه..!

قد يكون بتغير أحوال من حولنا علينا، بصدهم بإعراضهم، بنفرتهم، بتسلطهم ،بأذيتهم ..

بتمرير مواقف تُعرينا أمام أنفسنا، وتُظهر ما في قلوبنا من فساد ونقص  وأمراض وطوية سوء ..

يأتي التنبيه تلو التنبيه ..
لعلنا أن نتوب، ونستغفر، ونتربى، ونُغير من أحوالنا، فننتفع من تربية الله لنا ....

•• (٨)
● من صور من تربية الله لعباده:

• إذا رأى الله أنّ من صلاحك أن لا يحسن إليك أحد، منع الناس عنك.. حتى يبقى قلبك عزيزا لا يطرق كل باب، معلقا به وحده سبحانه وبحمده.

• أحيانا قد تتعلق وتنبهر بصفة معينة من صفات من أمامك(بعلمه، بكرمه، بإحسانه...) فإذا أراد الله أن يربيك يبتليك بالصفة التي انبهرت بها، فتأتي مواقف ترى فيها بخله، أو انسحابه، أو منّته..

لتعرف أنه بشر فيه نقص، وأن  الله هو الذي ستر عيوبه عن الناس وكمّله، فالله هو الذي يهب الكمال  ويكمّل من يشاء من عباده فلا تطلب الكمال إلا من الله ..
ولا تغتر بالناس، ولا تركن إليهم، ولا تتعلق بهم ولا بصفاتهم..

• قد تكون تربية الله لك بتغيّر أحوال من حولك عليك ..
بنفرة، أو بصد، بتسليط، بأذى، ...
حتى تراجع نفسك لعل هناك تقصير عندك  في حق من حقوق الله (في صلاتك أو خشوعك أو قرآنك أو وترك أو في أذكارك....)

أو في حق من حقوق البشر،
من تقصير في حق أب أو أم أو ابن أو بنت، أو في حقوق الأقارب والأرحام ...

فتأتي التربية حتى ينبهك فتتوب وتستغفر، وتبدل وتغير من نفسك وحالك ...

[ومن بدّل بدّل الله له،
ومن غيّر غيّر الله عليه...]

•• (٩)
●من صور تربية الله لعباده:

• قد تأتي التربية بسرعة العقوبة على المعصية، تٌخطئ فيربيك ..!

والعقوبة قد تكون حتى للشخص الصالح لعله أن يرجع ويستعتب، بل إذا أراد الله بعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا ..

• إن نزلت العقوبة فكن على يقين أنك تستحقها كما هي، بقدرها، بنوعها، بحجمها .. فالله حكمٌ عدلٌ منزهٌ عن كل ظلم، عاملك بحكمته وعدله، وهو أعلم بالذي يناسبك ويطهرك ويصلحك {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}


• لا تنظر للعقوبة من زاوية واحدة فقط، بل انظر أن فيها خيرا وتكفيرا وتطهيرا ورفعة للدرجات..

• وإن طال زمن العقوبة بالرغم من توبتك واستغفارك وصلاحك فليس عليك إلا أن تسلم الأمر لله ولا تسيء الظن بربك، ولا تغالبه فيما قدره عليك، وتيقن أن الله لطيف بعباده لا ينفك لطفه عنه، وسيذيقك آثار لطفه ورحمته .. وكلما قبلت تربية الله لك و زاد صبرك زاد أجرك، وتوالت عليك النعم ...

•• (١٠)
● {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
اسمان مشتقان من الرحمة ،،،

الرحمن: يدل على رحمة الله الواسعة الشاملة التي يدخل فيها جميع الخلائق.

الرحيم: يدل على رحمة الله الخاصة بالمؤمنين.

• جعل الله هذه الرحمة مائة جزء، امسك عنده تسعة وتسعون جزءاً وأنزل جزءاً واحدا هو الذي يتراحم به الخلق بين بعضهم في الأرض.

• تأمل مشهد السبي الذي قدِم على رسول الله وفيه أم فقدت رضيعها، وقد تحلّب ثديها اي اجتمع اللبن فيه
فاجتمع عليها ألمان، ألم الفقد، وألم تجمّع اللبن..!
فكانت كلما وجدت رضيعا في السبي أخذته تحسبه طفلها حتى وجدت ابنها...

فألصقته بصدرها....

والإلصاق أشد ما يكون من الضم والحضن، ويترآى لي أن لو كان الخيار، بيدها لألصقته إلصاقا حتى ما عاد ينفك جسده عن جسدها!!

فالتفت رسول الله لأصحابه وسألهم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟
قالوا: لا يارسول الله.
قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها.


[مهما تصورت أن إنسانا فيه رحمة بك أو عليك ..
فاعلم يقيناً أن رحمة الله أكبر من أي رحمة وأعظم وأوسع من أي رحمة ..]

فلا تتردد في طلب هذه الرحمة والتعرض لها، وسؤالها .. "يارب تغمدني برحمتك..."

•• (١١)
● {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

• إذا استحضر العبد هذه الرحمة فمهما صرف الله عنه أمرا من أمور الدنيا، أو اُغلق دونه أو تأخر عليه ..

يظل على يقين بأن خزائن الله ملأى، وأن  رحمة الله لم تنتهي ، وأبوابه لم تُغلق، وهو قادرٌ على أن يعطيه مطلوبه ...

• ومن استحضر هذه الرحمة فإنه يستكثر من الحسنات الماحية التي ماهي إلا رحمة من رحمات الله، ومخرجٌ جعله الله لعباده،
فالحسنات تزاحم السيئات، والطاعات تُزاحم الذنوب حتى تمحوها ..

• وإذا استحضر العبد هذه الرحمة فإنه سيتلمسها في كل أحواله، حتى في لحظات الكرب والضيق والشدة والبكاء ولن يجعل الشيطان يتلاعب به، ويشعره باليأس والإحباط، ويصرفه عن عبادته وعلمه وقرآنه ويُطبق عليه الغم ..

بل سينظر أن كل ما نزل به رحمه ..
وأن الله لم يرد به إلا خيرا، وأن فرجه قريب قاب قوسين أو أدنى ..!

فما ينتهي البلاء إلا ويكون قد اشترى رحمة الله بما تيقن وظن بربه ،،،

•• (١٢)
{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }

● هذه الآية تنقلنا إلى منزلة جديدة من منازل العبودية، تجعل الآخرة بين أعيننا ..

تذكرنا بأن رحلة الحياة قصيرة وستنتهي، وثمت يوم ينتظرنا وهو يوم الدين ..!

• وسمي بيوم الدين لأنه يوم الجزاء والحساب على الأعمال، هذا اليوم لا يملكه إلا الله ...
{ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }

وهذه نعمة تستحق الحمد ،،،
• فأي مظلوم ظُلم في الدنيا وما استطاع أن يأخذ حقه فإن الله الملك سينتصف له..

فهناك سترد المظالم،
و ترجع الحقوق،
و يُنصف المظلوم،
و لايظلم ربك أحدا ...

•• (١٣)
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

● الآية التي جمعت منازل العبودية ودوائر الدين الثلاثة:
العبادة، التوحيد، الأخلاق .
• قُدم فيها المعمول على عامله وهذا يفيد الحصر والقصر بأننا حصرنا العبادة كلها لله،
تأكيدا لمعنى التوحيد وبناءً للعبد الموحد، وترسيخا لمعنى الإخلاص بأن يكون قلبك مع الله في كل أحوالك ..
لا تنتظر مدحاً ولا ثناءً ولا ثمرةً ولا جزاءً  من أحد .

• الإخلاص هو الذي يجعل العمل في ميزانك يوم القيامة ..
 هو الذي يُنمي العمل ويكثره، فالقليل مع الإخلاص يصبح كثيرا ..

وعلى قدر إخلاصك يكون لك الأثر بين الناس..!
فالكلمة إذا خرجت منك وأنت صادق أوصلها الله لمن أمامك كاملة ..

وكلما ضعف الإخلاص ذهبت بركة العمل وخاصةً على القلوب، وأول القلوب قلبك أنت.....!

فلا ترى بركةً لعلمك عليك ..
تظل أنت أنت في تقواك، ولسانك، وأخلاقك، وباطنك، وخارجك .. لم يزدك العلم شيئا ..

نعوذ بالله من الخذلان،،،

•• (١٤)
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

● من مؤشرات الإخلاص:

• قمة الإخلاص وذروته وكماله أن تعمل وهمك الأكبر أن تُعبّد الناس لله، أن تعظّم الله في قلوب الناس، أن يكون حب الله قائما في قلوب الناس، حتى تفوز بأجر الدلالة على الله..

• أن تعمل بصمت، فكم في الزوايا من خبايا، وكم في عباد الله من أخفياء اكتفوا بنظر الله وسمعه وقيوميته وإحاطته .. فما عادوا يطلبون عِوضا من الناس ...
[فمن طلب العِوض من الناس،ابطل معاملته مع الله..]

• أن تفرح بكل كفايةٍ تبرز على الطريق، بكل كادر يتميز ويعطي .. فالمهم أن ينتشر الخير ويحصل النفع وتنجح الدعوة على يد من ؟؟
على يدك أو يد أخيك لا يهم .. فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...
وهذه من دقائق الإخلاص التي تستحق أن نقف أمامها كثيرا كثيرا ...

• أن تكون في المكان المناسب الذي يفيد الدعوة لا الذي تريده أنت..!
إن كان في الساقة ففي الساقة وإن كان في المقدمة ففي المقدمة ..
وربّ درهم سبق ألف درهم..!

••  (١٥)
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

• العبادة حقٌ لله،
والعونُ حقٌ للعبد ..

فمن قدم حق الله بالعبادة وفى الله له حقه في المعونة ..
• وطريق العبودية الكل فيه يسير ، والسيرُ إلى الله إنما هو عمل، ليس بالأمانيّ .. 
وفي السير مسرعٌ ومُبطئ، ومتقدمٌ ومتأخر وليس هناك واقفٌ البته، وعلى مقدار العمل تكون المعونة ..
• تأمل في الصلاة فقط،
من أقامها وأتمها وحافظ عليها أتته المعونة بكل صورها ..

اُعينَ على ترك المعاصي والذنوب ..

اُعين على العبادة والنوافل ومعاملة الخلق ..

رُزق المعية الخاصة ..

اُعين على ترك الشهوات ..

يقول من ذاق :
"حاول الإقلاع عن ذنبٍ فلم يقدر .. فالتفت لإصلاح صلاته، فاستعلى على تلك الخطيئة..
انتصر حين غيّر مسار المعركة، وانتقل لتسييج الحصن بدلاً من مطاردة اللصوص ...! "
وصدق فيما قال.

¤••~[..سلسلة تدبر سورة الفاتحة..]~••¤

••  (١٦)
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
• الاستعانة كنزٌ كبير لمن فهمها ..
عبوديةٌ قلبية تقوي الإيمان وترسخه،
هي سببٌ يُحصّل به العبد مطلوبه ومراده ..
• فكلما استعنت أُجرت..
وكلما استعنت سُددت، وأُلهمت الصواب..

وكلما استعنت وتبرأت من حولك وقوتك أعانك الله بعونه ومدك بمدده وتنزلت عليك البركات من السماء ..

● [استعن بالله ولا تعجز ...! ]
احذر من تلك الاستعانة الباردة الضعيفة الهشة،
و احذر من كسل قلبك وعجزه عن الاستعانة، فالكسل أصلُ كل خيبة وفشلٍ وحرمان ..!

• كن قويا في استعانتك وتأمل استعانة رسولك صلى الله عليه وسلم .. وهو المؤيد بالوحي، المعصوم، الذي اختاره ربه وأرسله لهداية الناس ثم هو يستعين ويقول:

" اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون .. اهدني لما اُختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ..."

••  (١٧)
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

• كلما زادت استعانة العبد بربّه أَنزل الله الغنى في قلبه ..

وحتى نفهم غِنى القلب، دعنا نتأمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من أصبح والدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره وجعل فقرهُ بين عينيه -وفي رواية نزع الغنى من قلبه- ولم  يأته من الدنيا إلا ما كُتب له...."

• من أصبح والدنيا همّه، هي أكبَر ما يشغل تفكيره، قلبه مشغولٌ بها ..
ويدخل تحت كلمة الدنيا أمواله، تجَارته، ممتلكاتِه، زوجته، أولاده، صداقاته، وظيفته، صحته، دراسته .....

ما النتيجَة؟ 

"فرّق الله عليه أمره ..."

أي ما من شئ يُحيط به إلا شتّته الله عليه..! 
فتراه مُشتّت الشمل، مُشتّت البال، مضطرب النفس، مبعثر، فقره مُلازم له، لا يقنع ولا يشبَع،  كثير الشكوى، قليل الحمد ..

يظلُّ يجري ويجري وراء الدنيا في ليله ونهاره، يطلبها ويبحث عنها، 
متعلقٌ قلبه بها وبأهلها ..

ثمّ ...

لا يأتِه منها إلا ما كَتبه الله له..!

••  (١٨)
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

● "ومن كانت الآخرة همه جمع له شمله وجعل غِناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمَة"

كل أموره تُجمع عليه، يعيش في هدوء وطمأنينة وراحة بال .. تُهيئ له أسباب الجمع من حيث لا يشعُر ..

يُنزل الله الغنى في قلبه، يَقنع، يرضى، لا تتّبع نفسه ما في أيدي الناس ..
تقل طلباته ويقل استيفاؤه لحقوقه ولا يتعب في طلب المزيد ...

وأتتُه الدنيا وهي راغِمة، حقيرة، ذليلة، تابعة له رُغم أنفها وأنف أربابها ..!
لا يحتَاج في طلبها إلى سعيِِ كثير ..

• فكل من صدّر أمر الآخرة وانشغل بأمر الله واستعان بالله، تكفَّل الله به وسخَّر له من يشتغل بأمره ..

[صدِّر أمر الآخرة تأتيك الدّنيا أرزاق]

قاعدة تُريحك من كثير من الهم...!

••  (١٩)
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

● الأخلاق من العبادة ويكفي أنها مقرونة بالإيمان ..
" أكملُ المؤمنين إيمانََا أحسنهم خُلقا"
• والخُلق نوعان:

خُلق بين العبد وربه وهذا هو الأصل،
وخُلق بين العبد والناس ..
فمن أصلح حاله مع ربه منَّ الله عليه بأن يكون صاحب خلق مع الناس ...

• وحُسن الخُلق عند العلماء هو:
كَفّ الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه .

فلا تراه مُؤذيا بلسانه أو بيده أو بفعله، ولا تراه حقودََا ولا حسودا ولا قاطعََا، ولا سبّابا ولا شتّاما ولا طعّانا ولا همّازا ولا لمّازا ...
فكلها أمراض وسخَائم ولوثات
تحصد الحسنات وتذهب ببركة الأعمال وخاصة على القلوب...!

فما عاد يرى بركة لأعماله وطاعاته وعلمه عليه..!
فداخله موبُوء، ملوّث، والمَحلّ لابد أن يكون قابلا، طاهرا، نقيا، حتى يملؤه الله بالخير ...

••  (٢٠)
● { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

يارب اهدني في أمر ديني، دُلّني على الحق، حببه إلي، زيّنه في قلبي، ثبتني عليه ..

اهدني في أمر دنيايَ ومعاشي، ارزقني الحكمة والرُّشد في سائر تصرفاتي ..

اهدني ليبقى قلبي معلقََا بك لا ينقطع عنك ولا ينصرف ولا يحيد عنك، ولا تُخلّي بيني وبين نفسي طرفة عين.

اهدني لأكون من أهل الحق الذين أنعمت عليهم وألزم طريقهم لا أفارقهم ولا أزيغ عنهم ...

والله إذا أراد بعبده خيرا هداهُ الى صراطه المستقيم، الذي أوله هنا ونهايته في الجنة..!

اللهم اهدنا ووالدينا وذرارينا ومن نحب إلى صراطك المستقيم ...

اللهم إنا نستهديك فاهدنا
اللهم إنا نستهديك فاهدنا
اللهم إنا نستهديك فاهدنا ...
•• وتم بحمدالله ختام تدبر سورة الفاتحة، ختم الله لي ولكم بكل خير وفضل ...
...............................
تم ولله الحمد والمنة 🍃🌼

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق