الأربعاء، 5 أبريل 2017

¤••~تدبر الناس..]~••¤



■ قال عليه الصلاة والسلام لعقبة بن عامر رضي الله
عنه: (ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ قلت: بلى يارسول الله. فأقرأني قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) .

هما وِردٌ من الله تعالى علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنحفظ به أنفسنا ونحصنها من جميع الشرور الظاهرة والباطنة..

■يقول ابن القيم رحمه الله: "إن حاجة العبد إلى الإستعاذة بهاتين السورتين أعظمُ من حاجته إلى النَفَس والطعام والشرابِ واللباس..!" .

فلأهمية الموضوع سنبدأ معكم بسلسلة تدبرٍ لهاتين السورتين،
ونسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها ومرسلها ومن يبلغها..

(١) [سورة الناس]

■ أول ما يلفت انتباه القارئ لسورة الناس أنه بالرغم من قصر آياتها فقد تكرر لفظ الناس فيها خمس مرات، فكأن السر في هذا التكرار هو التنبيه أن هذه السورة هي لكم أنتم أيها الناس، تخصكم، تهمكم، فاعتنوا بها فهي خيرُ وصيةٍ لكم من ربكم.

■ جاءت الإستعاذة فيها بثلاث أوصاف من صفات الله (الربوبية ، الملك ، الألوهية) رغم أن المستعاذ منه شرٌ واحد وهو الشيطان، وهذا يدل على خطورة الشيطان وأنه أصلُ كل شر وأصل كل شقاء..
و هو عدو خطيرٌ خفيٌ باطن لا تراهُ بعينك ولاتدركه ببصرك، لاتعرف متى سيهاجمك ومن أي ثغرةٍ سيدخل عليك، فهو متربص، مترصدٌ بك، يكيد لك في الليل والنهار.

(٢) صفات العدو "الشيطان" :

■ مخلوقٌ من نار (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) .. فطبيعته النارية تأخذ صفات النار، الإحراق، الإفساد، السرعة، الخِفّة، الطيش.

■ عرشه على البحر، له سرايا وجنود يرسلهم كل يوم يفتنون الناس أي يحرشون وينزغون بين الناس .. يُفسدون، يُخربون، يُثيرون الخصومات والعدوات، والتحريش من أخطر أسلحته..!

■ حريصٌ على إغواء الناس وإضلالهم، ومشاركتهم في كل شئ .. في أكلهم،وشربهم، ولباسهم، وفرشهم، وجماعهم، وبيوتهم..يقول صلى الله عليه وسلم:
(إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شئ من شأنه..)_صحيح مسلم ٢٠٣٣

(إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه)_السلسلة الصحيحة٢٩٧٩

(٣) تابع لصفات العدو "الشيطان" :

■أين يبيت هذا العدو؟
يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه)_متفق عليه.

وليس فقط يبيت على خيشومه بل إنه يعقد عقدا على قافية رأسه "مؤخرة رأسه"، يعقد ثلاث عقد يضرب على كل عقدة (عليك ليلٌ طويلٌ فارقد)..فإذا قام وذكر الله انحلت عقده، وإذا توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس .

يا ترى أولئك الذين ثقُلت رؤوسهم من سنين عن صلاة الفجر لا يصلونها ولا يقومون لها كم عقدة عقدَ الشيطان على رؤوسهم كم وصلَ مجموع هذه العقد وهم لايعلمون..؟!!

■هل له صوت؟ هل له خيل؟
يقول تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)_الإسراء 64

الغناء والعزف والمزامير هي صوته، والمعصوم من عصمه الله منها..
أما خيله، كلُ مركوب من دابة أو غيرها إذا كانت تحمله لمعصية الله..
ورجَله، كل من سار على قدميه إلى معصية الله..

(٤) كيد الشيطان وحبائله وطرقه :

■ يجتهد أن يوقعك في الشرك لأن الشرك يحبط العمل.

■ إن لم يفلح حاول أن يوقعك بالبدعة وأن يحببها ويزينها لك وهي أحب إليه من المعاصي.

■ إن لم يفلح، أخذ يوقعك بالكبائر لأنها موبقات مهلكات تنزع الكثير من إيمانك.

■ ثم الصغائر وهي ساحة الشيطان الرحبة التي مايكاد ينجو منها أحد ولايسلم منها أحد، وإن اجتمعت على الإنسان وتساهل فيها أهلكته.

■ يشغلك بكثرة المباحات والإغراق فيها، فإنها تعرقلك، تشتت قلبك، تقسيه وتثقل عليك العبادة وتفقدك لذة الطاعة. 

■ يشغلك بالمفضول عن الفاضل، حتى يفوت عليك كمال الأجر، فينقص ثوابك وتنقص درجتك.


أعاذنا الله وإياكم من شر الشيطان وكيده وخطواته...

(٥) الوسواس الخناس: هو الشيطان الموكل بالإنسان، فما من أحد من بني آدم إلا وله
 قرينٌ موكلٌ به يزيّن له الفواحش، ويحلّيها ويحببها له ويدفعه للمعاصي دفعا.

■ ومن أعظم صفاته شراً وأقواها تأثيراً، وأكثرها فساداً، وهي صفة ملازمة لهذا القرين هي:
( الوسوسة )....!

■ الوسوسة هي الحديث الخفي، والصوت الخفي الذي هو كالهمس يلقيه الشيطان في صدر الإنسان، والصدر هو ساحة القلب وبيته، تجتمع فيه الوساوس، والهواجس، والواردات، والخواطر، ثم تلج وتدخل على القلب..

■ فالشيطانُ لا يصل للقلب مباشرة، هو يُلقي وساوسه في الصدر، وسواس ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ... حتى إذا اجتمعت وما طُردت، هجمت على القلب واستولت عليه وإذا صاد قلبك استزلك.

هو فقط يعطيك طرف الخيط، بداية الفتيل..فإذا انخدعت وأمسكت به بدأ يسحبك ويسحبك حتى يتمكن منك ..

(٦) خاتمة سورة الناس:

بعد أن عرفنا صفات هذا العدو وأنه مترصدٌ متربصٌ يكيدُ لنا في الليل والنهار، له خطوات وحبائل ووساوسٌ وجنودٌ وسرايا..
أدركنا أننا أمام عدو خطير جدا لن يخلصنا منه إلا الإستعاذة بالله الذي هو:

■ رب الناس كلهم، ورب الخلق كلهم.
■ الرب الذي له الملك والقوة والسلطة والنفوذ.
■ الرب الاله الذي نحن له عبيد، وأن هذا الشيطان مهما كان كيده وخطورته وأسلحته وآذاه فهو مخلوق من مخلوقات الله، ومربوبٌ لله، ناصيته بيدالله، مملوكٌ لله، لن يخرج عن ملكه وسلطانه.

■ فكلما قويت استعاذتنا بالله، وصدقنا في الفرار إليه ازداد حفظ الله لنا من هذا العدو وعصمنا الله منه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق