الجمعة، 3 فبراير 2017

..~|في ظلال سورة الكهف|~..🌿


• ما السرُ في اختيار هذه السورة دون غيرها لتطرق قلوبنا وأسماعنا في كل جمعة؟
الجواب والله أعلم: أن مقصودها وموضوعها الريئسي الذي تدور حوله هو "العصمة من الفتن"...
فكأنها كهفٌ لك، تلجأ وتفرّ وتأوي إليه من مطاردة الفتن وتلاحقها.

كما جاء في حديث النواس بن سمعان ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: ( .....فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته)_رواه مسلم في كتاب الفتن

• كما أنها نورٌ لقارئها،
قال عليه الصلاة والسلام: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور مابين الجمعتين)_رواه البيهقي وحسنه الألباني.

• أي أنه يُعطى معونةً وتوفيقا وهداية وفتحا، وتُفتح له أبواب الطاعات فيغرف منها وبذلك تكون نورا له.
______________
• قصة أصحاب الكهف هي نموذج لمن فُتن في دينه.

• سماهم الله بأصحاب الكهف بإعتبار الكهف الذي ناموا فيه والرقيم بإعتبار اللوح الذي كُتبت فيه اسماءهم.

• مجمل قصتهم أنهم فتية شرح الله صدورهم للإيمان، واجتمعت كلمتهم على رفض ما كان عليه قومهم من الكفر والضلال فأخذوا يُنكرون عليهم ويدعونهم للتوحيد، فهددوهم بالقتل والرجم والتعذيب إن هم لم يتركوا هذا الدين ويرجعوا لدين آبائهم.

• ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ ثبت الله هؤلاء الفتية أمام التهديد والتخويف، ومن ربط الله  على قلبه ثبّتهُ وسكْنه وطمْأنه...

• وكأن القلب شيءٌ قابلٌ للتمزق والتشتت والتبعثر فإذا شُدّ ورُبط وأُدير عليه حبل الإيمان فإنه يثبت، يستقر، يهدأ، وتزول مخاوفه ..

• هذا الربط من أكبر نعم الله على العبد، يوم أن يثبته في الفواجع والشدائد والمصائب.. ويثبته أمام الشهوات المحرمة حين تتزين له، ويثبته في زمن الغربة والذي القابضُ فيه على دينه كالقابض على جمرة فلا يتلون، ولا يزيغ قلبه ولا يروغ روغان الثعالب إنما يظل ثابتا على دينه ..
إنه ثباتٌ عزيز ... ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
______________

• ربط الله على قلوب هؤلاء الفتية فثبتوا على دينهم وتوحيدهم، تشاوروا بينهم واستقر رأيهم أن يعتزلوا قومهم ويفروا بدينهم ..

• وهذا هو المشروع في وقت الفتن، الفرار منها وعدم التعرض لها .. فالفتن خطافة والقلوب ضعيفة ومن استشرف الفتن استشرفته .. ومن فرّ سلّمه الله منها.

• وفي فرارهم لم يعتمدوا على أنفسهم بل سألوا الله الرحمة والإيواء، واستجاروا بربهم
﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾

• من لجأ إلى الله آواه .. آواهم الله أعظم إيواء، وحفظهم بأعظم حفظ، وإذا تولى الله حفظ شئ سخر له من الأسباب ما لا يخطر على بال أحد ..

• وأول هذا الحفظ أن آواهم إلى كهف ليس بعيدا عن قريتهم، ومع ذلك عمّى أبصار الناس عنهم ثلاثمائة سنة لم يصل إليهم أحد..!

ضربَ على آذانهم وليس على أعينهم، لأن النوم الثقيل الطويل لا يكون إلا إذا تعطلت جارحة الأذن ..
ناموا وأعينهم مفتوحة فمن رآهم يظنهم أيقاظ
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ﴾

 وألقى عليهم الهيبة والرعب حتى لا يقربهم آدمي ولا سبع من السباع ولا أي شيء..

كانت أجسادهم تُقلّب، والله قادرٌ على حفظها بدون تقليب ولكنها سنة من سننه في الكون حتى لا تتقرح أجسادهم وتذوب جلودهم..!

أمرَ الله الشمس أن تزْورّ عن كهفهم وتميل عنهم حتى لا تؤذيهم ولا تحرقهم، تأمل ثلاثمائة سنة والشمس مأمورة أن تغير مسارها وتميل من أجل هؤلاء الفتية! 

إنها ألطاف الله حين ينشرها على عباده،،،
______________

• حفظ الله هؤلاء الفتية أيّما حفظ، وقاعدة الحفظ معروفة (احفظ الله يحفظك)،
على قدر حفظك لربك فإنه سيحفظك..

• احفظ الله في أوامره ونواهيه وحدوده، وعلى رأسها الصلاة فهي رأس العبادات كلها .. هي رأس مالك، إذا أفلحت فيها أفلحتَ في سائر عملك، وإذا ضيعتها أو انقصتها وطففتها ونقرتها وسرقتها فستكون لما بعدها من أوامر الله أضيع..

• احفظ الله في جوارحك وعلى رأسها اللسان فأكثر ما نسوّد به صحائفنا ونحصد به حسناتنا إنما هو بزلات وعثرات وسقطات ألسنتنا، وبكلمة قد يسقط الإنسان .. وبكلمة قد يرتفع..!

• احفظ الله في قلبك فهو وديعةُ الله عندك، فإياك أن تخون أو تفرط أو تُهملَ هذا القلب..
احفظ قلبك من الشهوات فهي مؤرقة،
واحفظ قلبك من الشبهات والفتن فهي مُهلكة ..
واحفظ قلبك من الخبث والشوائب والسرائر الفاسدة وأمراض القلوب فهي مفسدة حارقة تُقسي القلب وتميته..

• احفظ قلبك بكثرة ما تسقيه وترويه من كلام الله، واحفظه بكثرة الذكر، والعبوديات القلبية من حب وخوف ورجاء، وذلٍ وإخبات وافتقار وتوكل وإنابة وتفويض واستعانة ....

درّب نفسك عليها حتى تُرزق قلبا هيناً ليناً بكاءً خاشعاً وجِلاً كأفئدة الطير..
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن أقوامٍ يدخلون الجنة "أفئدتهم كأفئدة الطير"..

يارب اجعلنا منهم...،،
______________

[صاحب الجنتين] ~

• قصةٌ محورها قائمٌ على رجلين بينهما صُحبه، أحدهما غنيّ والآخر فقير، ودارَ بينهما حوار..

• الغني جعلَ اللهُ له جنتين أي حديقتين وُصفت بخمسة أوصاف:

•الأول: ﴿ جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَاب ﴾
هي مليئة بأشجار العنب وعناقيد العنب وعروش العنب، وكم وكم تُضفي أشجار العنب للحديقة من جمالٍ وبهجةٍ ونُضرة...

•الثاني: ﴿ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ ﴾
هاتين الجنتين مسوّرة بسورٍ من أشجار النخيل مصفوفة ومتراصة بجانب بعضها بعضا، طويلة شامخة باسقة، ثمرها مصفوفٌ بعضه فوق بعض بطريقةٍ يعجبُ لها من ينظر إليه ويتأمله..

•الثالث:﴿ و بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾
بين النخيل وبين العنب مساحات ومسطحات زراعية خضراء واسعة ممتده فسيحة ..

•الرابع: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ ﴾
أي: هاتين الجنتين مباركتين، إذا طرحت ثمارها فهي كاملة لا ينقص منها شيء، والبركة إذا حلت في شيء لا تسأل عن سعته وكثرته ونمائه..!

•الخامس: ﴿ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾
بين هاتين الحديقتين نهرٌ يجري، مما يزيدها جمالا، ورونقاً، وحُسناً، وبرودة ...
______________
يتبع قصة [صاحب الجنتين] ~

● ما هو وصف صاحب الجنتين؟

 • ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾
الثمر يُطلق على كل ما تموّله الإنسان ويدخل فيه الذهب والفضة والدواب والمراكب والمساكن والتجارة...

أي أن الله بسط لهذا الرجل في الرزق فهو غني يتقلب في نعم الله،
لكنه اغتر بالدنيا وركن لها ولزينتها وأخذ يتباهى ويفتخر، فقال لصاحبه الفقير أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا...!

• بدأ مرض العُجب والكبر يتسلل إلى قلبه وهو من الأمراض المهلكة المفسدة للقلب، إنه كبيرة من كبائر القلوب، يُورث القلب بقع سوداء يصعب إزالتها..!
هذا فضلا عن حصده للحسنات....

• زاد اغتراره بدنياه فقال ما أظن أن تبيد هذه أبدا...!
لا يمكن أن يزول عني كل هذا النعيم وكل هذه الأموال والثمار وتنتهي..

ومن شدة اغتراره أنكر البعث وأنكر الآخرة ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ ..

انقلبت موازينه وكل من اُبتلي بمرض العجب تنطمس بصيرته وتنقلب موازينه وكأن على عينيه غشاوة، يقول محمد بن الحسين:
"مادخل قلبُ امرئٍ شئٌ من الكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك الكبر"
_ نضرة النعيم11/5377

• بنى عطاء الآخرة على عطاء الدنيا ونسي أن عطاءات الآخرة وحظوظها مبنيٌ على العمل والاجتهاد، وأن الله قد يعطي الدنيا ويفتح أبوابها لمن يحب ولمن لا يحب،

بل الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه....
______________

يتبع قصة [صاحب الجنتين] ~

● بدأ صاحبه الفقير يرد عليه، وقد تميز هذا الصاحب بعدة صفات...

• كان وفيا، ومن وفائه أنه استمر في نصحه ولم ييأس منه.

• كان صادقا في نصحه، فكان ينصحهُ لمصلحته لا لمصلحة نفسه او الانتقام لها.

( وهذه رسالة لكل ناصح .. كلما كنت صادقاً في نصحك فإن الله سينفع بكلامك ولو بعد حين، المهم أن تجعل الله بين عينيك والله أجلّ من أن يُخدع وهو أعلم بنيتك في هذا النُصح...)

• كان قويا في الحق، فواجهه مباشرة بأخطائه.

• كان لديه رجاحة عقل وفقه لم ينشغل بالتفاصيل والجزئيات وأنت قلت عني كذا وكذا .. إنما أخذ أكبر وأهم قضية وبدأ بها وهو إنكاره للآخرة، للبعث، وهذا كفر ..
﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ﴾

أنت مخلوق من تراب، فعلام تترفع على ربك الذي خلقك..؟
أعلن له توحيدك..
فنعمة التوحيد أفضل مزارعك واموالك وثرواتك،، 
إنها النعمة الحقيقية...

﴿ لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾
_____________

يتبع قصة [صاحب الجنتين] ~

● ما زال الصاحب مستمرا في نصح صاحبه .. كان الأولى بك يا صاحبي أن تُقر  بنعمة الله وتعترف أنها من محض فضل الله عليك، وتشكرهُ حتى يُبقيها لك، فالنعم تبقى على الشاكر لها وتزول عمن يجحدها
كان هذا هو الأولى بك بدل الكبر والبطر والغرور والعجب..!
﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ ﴾

واعلم ياصاحبي أن العبرة ليست بكم تملك من الدنيا وإنما العبرة كل العبرة كم تزن عند الله..؟
ما هو مقامك في الآخرة..؟
﴿ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴾

• ثم دعا هذا الصاحب لنفسه وكانت همته عالية لم يطلب مثل مزرعة وأموال صاحبه بل طلب خيرا منها ﴿فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ ..

فكن صاحب همةٍ عالية واسأل ربك خير ما عنده فخزائنه ملأى ورزقه ماله من نفاد...

• ثم دعا هذا الصاحب على صاحبه!!
بأن يرسل الله على جنة صاحبه حُسباناً من السماء، أي عذابا إما رعد أو صواعق أو مطر غزير يتلفها فتصبح أرض جرداء، خاوية أو يصيبها عقوبة أرضية أن يصبح ماؤها غائرا بعيدا فتموت أشجاره شيئا فشيئا أمام عينيه..!!

يا ترى هل هذا صاحبٌ وفي..؟
كيف يدعو على صاحبه..؟
أليس هذا ظلما...؟
_____________

يتبع قصة [صاحب الجنتين] ~

● لو تأملت ما دعا به هذا الصاحب
﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾
لوجدت أنه لم يدعو على صاحبه بل دعا على ماله..!
وهذا من رجاحة عقله وفقهه..

هو أراد أن ينصلح حال صاحبه، ولا يموت على هذا الكفر والضلال ..
وعلم أن هذا المال وهذه الدنيا هي سبب فتنة صاحبه وبطره واستعلائه وطغيانه،
ولن يفوق إلا إذا أتته صفعة قوية أيقظته مما هو فيه!

وكما قيل: كلما كان التأديب أقوى، كان تأثيره أبلغ ..!

• فعندما تنزل عقوبة قوية مفاجئة مباغتة ساحقة تتلف كل شيء، وتُنهي كل شيء، ويخسر كل أمواله وأشجاره وثرواته .. عندها سيعي الدرس ويفوق من فتنة الدنيا
﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾

• ومن سنة الله أنه يقبل التائبين، ويعوضهم خيرا مما فقدوا، وتصبح هذه العقوبة التي عُجلت لهم في الدنيا إنما هي رحمةٌ من الله بهم..
فالعقوبة أن ردت الإنسان إلى ربه وانصلح حاله انقلبت في حقه منحة...

وإذا أراد الله بعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا،
والله أكرم من أن يجمع على عبده عقوبتين في الدنيا والآخرة ...
_____________

● قصة موسى والخضر،،،

• قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل ذات يوم، فخطب فيهم خطبة بليغة ذرفت منها الدموع وخشعت لها القلوب، فقام رجل منهم وقال: يا موسى هل على وجه الأرض أحدٌ أعلم منك؟ فقال: لا.

فعتِبَ الله على موسى عليه السلام أنه لم يرد العلم إليه ولم يقل الله أعلم.

فأوحى إليه أن هناك عبدٌ صالح عنده من العلم ما ليس عندك. !

فقال موسى: فكيف لي به يارب.
فأوحى إليه أنك ستجده عند (مجمع البحرين)...

• مكانٌ يلتقي فيه بحران، لم ترد نصوص صريحه بهذا المكان ولكن أقربها للصواب والله أعلم اجتماع خليج العقبة مع خليج السويس،
وجعل له علامةً يعرفُ بها أنه وصل للمكان..

• ما هي العلامة؟
( تأخذ معك حوتاً وتجعله في مكتل _زنبيل_ فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ)...

انطلق موسى ومعه فتاه يُوشع بن نون وأخذ معه الحوت، وقطع عهدا على نفسه أن لا يبرح حتى يبلغ مجمع البحرين أو يمضي حقبا..
سيظل يمشي ويمشي حتى لو بقي أعواما كثيرة إلى أن يصل...
_____________

● تابع قصة موسى والخضر،،،

• أخذ موسى عليه السلام هذا العهد على نفسه..
والبدايات تحتاجُ إلى عزيمة صادقة،
ومن أخذ أمره بالعزيمة فإنه يدرك مقصوده بإذن الله...
[فإذا عزمت فلا تتردد..!]

• انطلق موسى و فتاه حتى وصلا إلى صخرة، نام موسى وفي وقت نومه اضطرب الحوت في المكتل وخرج منه وسقط في البحر..!
فصار البحر عليه كالسرداب فأمسك الله جريان البحر حتى يبقى أثره في الماء ولا يبعد..

• استيقظ موسى، واصل سيره، شعر بالتعب والنصب، فطلب من فتاه الغداء، عندها عرف أن الحوت غادر المكتل، وهذه هي العلامة التي كان ينتظرها..!

• رجع هو وفتاه يتتبعان خطواتهما على الرمل حتى وصلا للمكان، فوجدا الخضر..

• من هو الخضِر؟ 
الراجح أنه عبد من عباد الله الصالحين، سُمي بالخضر لأنه إذا جلس على فروةٍ بيضاء _ أي حشيش يابس_ انقلب إلى زرع أخضر...!

• وصفه الله "بالعبودية" ، وفي هذا إشارة أنه تميز بإجتهاده في العبادة..

و صفه بالرحمة، والرحمة خُلق إذا منّ الله به على إنسان فقد أعطاه خيرا كثيرا وأرادَ أن يرحمه فالله يرحم من عباده الرحماء..

وكمّله الله بالعلم...
فطلب موسى من الخضر أن يعلمه..
وكان في غاية الأدب والتلطف والتواضع وهو يعرض طلبه..

وكما قيل [الأدبُ يفتح لك الطريق] ..

ومن كمُل في أدبه في الطلب، كمُل تحصيله في العلم ...
_____________

• اشترط الخضر على موسى عليه السلام أن يلتزم الصمت ولا يعترض عليه في شيء..
وافق موسى على الشرط، كان جاداً صاحب عزيمة صادقة وصاحب العزيمة لا يقف أمامه شيء، وكما قيل همم الرجال تقلع الجبال..!

● {فَانْطَلَقَا.. }
• بدأت رحلتهما المملؤة بالعجائب، كانا على الساحل فمرت بهما سفينة عرف أهلها الخضر فحملوهما معهم بدون أجرة إكراما للخضر...

ولما ركبا السفينة تفاجأ موسى أن الخضر قلع لوح من ألواحها، تعجّب غاية العجب، وأخذته الغيرة في إنكار هذا المنكر ، كيف تفعل هذا بسفينة أناس أحسنوا إلينا؟
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} .. شيئا عظيما عجيبا ...

• فذكره الخضر بالشرط الذي بينهما.. { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا }

 اعتذر موسى مباشرة وقال :
{لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا } ... لا تُشدد عليّ فمن هول ما رأيت نسيت الاتفاق الذي بيننا..

• فوقعت الأولى من موسى نسياناً.....
_____________

• نزلا من السفينة فوجدا غلاما يلعب مع الغلمان، وكان أجملهم وأحسنهم وأنضرهم، فأخذه الخضر فقلع رأسه بيده فمات ...!!

فما استطاع موسى عليه السلام أن يصبر ، فقال للخضر {...لقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}

أي أنك أتيت أمرا منكرا ظاهر النكارة
تستعظمه النفوس وتأباه، إذ كيف  تأخذ نفسا صغيرة زكية لا ذنب لها  ولم تخطئ وتقتلها؟!!

• فذكره الخضر بالشرط:

{ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً }

اعتذر موسى مباشرة وقال:
{قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً }

إن اعترضت عليك مرة أخرى فاترك مصاحبتي فقد عذرتني مرة بعد مرة. 

• فوقعت الثانية من موسى إنكارا ...
_____________

• في محطتهم الثالثة:

انطلقا ووصلا عند قرية كان أهلها لئاماً بخلاء ، طلبا منهم الطعام فامتنعوا ولم يقوموا معهما بحق الضيافة...

• فوجدا في القرية جدارا مائلا قارب أن يسقط وينهدم، فسواه الخضر بيده حتى استقام،
( وهذا أمر خارق للعادة أعطاه الله إياه )..

وهو أيضا إحسانٌ فريد أن تُحسن إلى من أساء اليك..!

• فاعترض عليه موسى عليه السلام ولم يستطع أن يصبر و {قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}..

كان ينبغي أن لا تعمل لهم بالمجان، فلو شئت اتخاذ أجر على إصلاحه لاتخذته فنحن بحاجة إليه لاسيما أنهم امتنعوا من ضيافتنا...

• عندها رد عليه الخضر:
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِك}
لأنك اشترطت عند قتل الغلام أنك إن سألت عن شيء بعدها فلا تصاحبني،

فبدأ بتفسير ما شاهده مما قام به ....
_____________

• أما السفينة فكانت لمساكين يعملون عليها ويسترزقون من نقل الناس فيها، وكان من أمامهم ملكٌ ظالم لو وجد هذه السفينة لا عيب فيها أخذها ظُلماً وتجبراً،
ولو كانت معيبة تركها لهم..
لذلك قمتُ بقلع لوح منها، لتبقى لهم سفينتهم...

• وأما الغلام الذي رأيتني أقتله، فقد سبق في علم الله أنه سيكون كافرا ويظل على كفره، ولو كبُر ونشأ لكان فتنةً لوالديه المؤمنين، فحبهما له قد يحملهما على أن يوافقوه ويتابعوه على كفره..!

وتأمل تعليق قتادة رحمه الله : "قد فرح أبواه حين وُلد، وحزنا حين قُتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرضى امرؤ بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه فيما يحب..."

وكم من أقدارٍ أجراها الله علينا، آلمتنا وأبكتنا واحزنتنا ، ولو كُشف لنا الغيب لسجدنا لله شكرا عليها..
_____________

• وأما الجدارُ الذي أنكرت عليّ إصلاحه، فقد كان لصغيرين يتيمين وكان تحته مالٌ مدفون لهما، وكان أبوهما صالحا....

• وأراد ربك يا موسى أن يبلغا سن الرشد ويكبرا ويخرجا مالهما المدفون تحته، إذ لو سقط الجدار لانكشف مالهما وتعرّض للضياع..!

• إنه تدبير الحفيظ العليم الرحيم سبحانه وبحمده...
صورةٌ من صور حفظ الله لأوليائه، فالله يحفظ من يحفظونه..
وإذا تولى الله حفظ شيءٍٍ سخر له من الأسباب ما لا يخطر على بال ..!

• وصلاح الآباء يؤثر في الأبناء، فالله يحفظ الرجل الصالح في ذريته..
"...يقول محمد ابن المنكدر:  "إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده، وولد ولده، وقريته التي هو، والدُّويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله وستره .
• فأعظم ما يدخره الآباء لأبنائهم من بعدهم ليست الأموال والعقارات والأرصدة إنما أن يكونوا صالحين هم في أنفسهم..

• واستمع لكلمة محمد بن كعب القرظي، أُهدي إليه مالا كثيرا فتصدق به كله..!
فقيل له لو تركت شيئا لأولادك فقال:
[ادخرتُ مالي لنفسي عند ربي، وادخرتُ ربي لأولادي...]
_____________

● {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا}

• ذو القرنين ملكٌ مؤمنٌ صالح، قيل أنه من ملوك اليمن.
• سمي بذي القرنين لأنه قطع قرني الأرض المشرق والمغرب، وقيل كان له ظفيرتان من الشعر، وكان يلبس خوذة من نحاس مثل قرني الحيوان، كنايةً عن شجاعته وقوته.

• مكّن الله له في الأرض، فجعل ملكه قوياً ثابتاً لا يطمع أحد في إزاحته أو التغلب عليه .. دانت له الأراضي والبلاد ...

• هيأ الله له جميع الأسباب التي يكون بها تمكين ملكه، من جيوش وأموال وأسلحة وعتاد...

• فهو ملكٌ ممكّن من عند الله 
وإذا كان التمكين من عند الله فلا تسل عن قوة هذا الملِك وجاهه ورئاسته وسلطانه، فتمكين الله فوق كل تمكين.

• {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}
أي أنه استفاد من الأسباب التي هُيأت له وأعطاه الله إياها،  لم يضع الفرص، ولم يُهدر الطاقات، بل أخذ بالأسباب لينهض بمملكته، ويزيد في فتوحاته، وينشر دين الله، ويقيم العدل في الأرض..

• وكل من أراد أن يطلب مجداً فلابد أن يأخذ بالأسباب..
فالفضائل لا ينالها إلا من عمِل لها...
_____________

● {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ....}

بدأت رحلته المغربية ،،،
بلغ ذو القرنين أقصى الغرب مستعيناً بما هيأه الله له من الأسباب والجنود..

• وصل لمكانٍ فيه عينُ ماء، ذات طينٍ أسود، فشاهد غروب الشمس وكأنها تسقط في عين الماء هذه..

وهذا إدراك بصري، فكل إنسان يشاهد غروب الشمس،حسب المكان الذي يكون فيه .. من كان في الصحراء يرى الشمس في غروبها وكأنها تسقط في الرمال..
ومن كان على شاطئ البحر يراها وكأنها تسقط في البحر..
وهكذا.....

• و وجد في هذا المكان قوما غلب فيهم الفساد والظلم ، وهذا من ظاهر الآية لأن العذاب قُدّم على الثواب:

{قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}
_____________

● الرحلة المغربية لذي القرنين ،،،

• ترك الله عزوجل لذي القرنين الاختيار في أن يعذب هؤلاء القوم أو يحسن إليهم، و في هذا إشارة أنه كان ملكاً صالحاً مقسطاً قد رُزق العدل، لم ينزلق في فتنة الرئاسة والمُلك والمنصب ...

• ومن رُزق العدل فقد رُزق خيراً وافراً عظيما ..
يقول ابن حزم: "وأفضل نعم الله على المرء أن يطبعه على العدل وحبه وعلى الحق وإيثاره" .

• وقد رفع الله شأن أهل العدل في الدنيا والآخرة، ورد في الحديث:
( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عزوجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )

• والعدل مطلوب من الجميع ..
مع الصديق ومع العدو، وفي الولاية العامة والولاية الخاصة، مع الكبير ومع الصغير  .. {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ...}
وأعلى درجات العدل أن تعدل في حال الغضب، والكره، والسخط..!
_____________
● الرحلة المشرقية ،،،

{حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا}

• أرضٌ منبسطةٌ مكشوفة، 
لا جبال فيها ولا عمران، ليسوا في بيوتٍ تسترهم من الشمس ..

 • إنهم أناس بسطاء، بدائيون، قيادتهم سهلة لا يحتاجون إلى كثير معاناة أو أن يتبع معهم سياسة الثواب والعقاب مثل القوم الذين من قبلهم، لذلك جاء الكلام عنهم مختصرا لشدة بساطتهم ...

• ثم توجه ذو القرنين إلى رحلته الثالثة، و ما زالت الآيات تذكرنا في مطلع كل رحلة { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا }
بأخذه للأسباب، وأن من أراد أن يطلب مجدا فليأخذ بالأسباب ...
_____________

● الرحلة الشمالية ،،،

{حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ...}

• وصل ذو القرنين إلى منطقة فيها جبلين مرتفعين، و وجد عندهما قوم لغتهم غير لغته، ولسانهم غير لسانه، فكان التعامل معهم وفهمهم فيه شيء من الصعوبة.

• حصل بينه وبينهم حوار واشتكوا له من مشكلة قائمة عندهم وهي مشكلة يأجوج ومأجوج، بأنهم قوم مفسدون، يُغيرون على أراضيهم وينهبون ويسرقون ويتلفون أموالهم ومزارعهم .

• فطلبوا منه أن يبني لهم سدا يمنعهم من الوصول إليهم وعرضوا عليه أن يعطوه أجرة ومالا على عمله هذا..!
وهذا يدل على بساطة تفكيرهم، فهم يتكلمون مع ملك عظيم يرون جنوده وحاشيته وجيوشه ثم يعرضون عليه أجرةً..!!

• رد عليهم: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ....}

إنها أخلاق الملوك، أخلاق الكبار، بكل أدب وتلطف وتواضع يرد عليهم أنني بخيرٍ من الله وتمكين، لا أحتاج لأموالكم ..
ولكن أعينوني بقوة،،،

وهل ذو القرنين الذي معه كل هذه الجيوش يحتاج لقوه من هؤلاء القوم البسطاء؟؟!

إنها التربية على المشاركة في العمل ..
هذا السد لكم، والعدو عدوكم وأنتم المتضررون منه فليس من الحكمة أن نبني لكم السد ونسلمه لكم جاهزا بدون أي جهدٍ ولا كُلفةٍ ولا مشاركة منكم .. 

عندها لن تشعروا بقيمة هذا العمل والجهد الذي بُذل فيه وبالتالي لن تحافظوا عليه ..

وربما تعودتم على الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية .. فأراد تربيتهم على مبدأ المشاركة والتعاون.

• كما أن هذا من الإحسان إليهم بأن يعلمهم مهارة البناء، وكما قيل :

"إذا أردت أن تُحسن إليّ فعلمني.."
_____________

● كيف بنى ذو القرنين السد؟

{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا }

• مرّ البناء بعدة مراحل:

١- هناك حديد جُلب وقُطّع حتى يصبح لِبنات للسور.

٢- بدأوا برص قِطع الحديد بطريقة منظمة مصفوفة فوق بعضها، حتى وصلوا لقمة الجبلين.

٣- أوقدوا نارا تحت قطع الحديد،
و أوقدوا نارا أخرى في الجانب الآخر لإذابة النحاس وصهره.

٤- فرغوا هذا النحاس المنصهر في أوعية كبيرة وبدأوا بنقله وصبه على قطع الحديد المُحمّى..
فتخلل النحاس المذاب في الفتحات التي كانت بين الحديد، فتشابك الحديد مع بعضه، وأصبح أقوى وأشد تلاصقا وتماسكا وصلابة...

وكان سورا من حديد ونحاس، لايستطيع أحد أن يتسلقه أو يثقبه..

• ولما فرغ ذو القرنين من هذا البناء الهائل، والإنجاز الكبير، والسد العظيم ..
يأتي التواضع الذي لا يقدر عليه إلا الصالحون الذين الجموا أنفسهم بلجام التقوى وتضآءلوا امام أنفسهم
وقال:
 {هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي...}

لولا أن الله ألهمني ووفقني وأعانني لما استطعت أن أفعل شيئا،
فهو من محض فضل الله عليّ ...
_____________

• خُتمت السورة بمشاهد يوم القيامة
وهذه خاتمة متسقة مع موضوع السورة التي تكلمت عن الفتن ..

فمن وقع في الفتن وخاض فيها وتشربها فليس أمامه إلا جهنم، { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي .....}

ومن عصمه الله ونجاه من الفتن فخاتمته الجنة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا }

• والسورة بدأت بحمدالله لذاته العلية على إنزاله لهذا القرآن العظيم .. وخُتمت ببيان عظمة كلمات الله، 
فلو كان البحر حبراً لها لانتهى قبل أن تنتهي كلمات الله سبحانه..!
بل لو أتينا ببحور أخرى لنفدت أيضا ...

فسبحانك اللهم وبحمدك ما قدرناك حق قدرك ..
وسبحانك اللهم وبحمدك ماعبدناك حق عبادتك ..

•• وصلنا إلى ختام سورتنا فالحمدلله على التمام، والحمدلله على الكمال، 
واسأل الله القبول والبركة ببركة لا تُحدّ، ولا تُعدّ ، ولا تُحصى ، ولا تُحصر ،،،
_____________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق