الجمعة، 3 فبراير 2017

🍀[سلسلة] | كلُّ صادقٍ سيفرَح..~


● مما فُطرت عليه النفوس أنها تبحثُ عن الفرح، فهو أعلى نعيم القلب ولذته وبهجته...!

[الفرح] .. صفةُ كمالٍ يتذوقها القلب...

وردت كلمة الفرح في القرآن بلفظها ومعناها..
َ 
• ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

• ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون ﴾
• ﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ﴾

أما عن مشاهد الفرح في القرآن فهي كثيرة، وأعني بها مايهبه الله لعباده من الأرزاق والعطايا والهبات والبشرى،
إنه الفرح بنفحات الرب الكريم...

المهاجرون فرحوا، والأنصار فرحوا..
أهل بدر فرحوا، أهل بيعة الشجرة فرحوا..
أُبي بن كعب، عائشة، طلحة بن عبيدالله، زيد بن ثابت، العباس، كعب بن مالك، أبو لبابة ... _رضي الله عنهم _
كلهم فرحوا بما نزل في شأنهم من القرآن...

ولو تتبعنا الذين فرحوا بالقرآن فهم كُثر....!

ويبقى السؤال :
ما علاقة الفرح بالصدق..؟ 
وما علاقة الفرح برمضان..؟
وما علاقة الصدق برمضان...؟!
_____________
● كلمة الفرح ارتبطت برمضان، قال صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان فرحةٌ عند فطره وفرحةٌ  عند لقاء ربه)..

• تأمل كلمة فرحة أتت نكره وهذا يدل أنها فرحةٌ كبيرة، بلغت ما بلغت...

• ويكفي الصائم فرحةً أن يقول الله عزوجل ( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) .. من دون بقية العبادات استأثر الله بثوابه !! 
 
• ويكفيه أن لله في كل ليلة عتقاء من النار، ويعتق في آخر ليلة فيه بقدر ما أعتق في الشهر كله!!
والعتقُ لا يكون إلا إذا غفر الله للعبد الذنوب كلها كبيرها وصغيرها، جلواتها وخلواتها...

• أبواب الجنة تُفتح في رمضان، وأبواب النار تُغلق، تُصفد فيه مردة الشياطين، كل الملائكة بكثرتهم الكاثرة وعددهم الهائل، يستغفرون للصائم حتى يفطر..!

• الكون كله يتغير إذا أقبل رمضان،
فكأن الأرض ليست كالأرض..
والسماء ليست كالسماء،
والهواء ليس كالهواء....!

• الشر يضعف، والخير يزيد، والنفوس تُقبل، أليست هذه أسبابا للفرح...؟!

● [إنه رمضان] ،،
ميزانُ الفرح الحقيقي ...
إنه الفرح بالله، الفرح بالعبادة، الفرح بالإحسان، الفرح بالسير إلى الله ..
الفرح بأن يبلغه وهو معافى في دينه وإيمانه، وقلبه وجوارحه وليس ثمة حائل يحول بينه وبين رمضان....

اللهم بلغنا إياه وبارك لنا فيه...
_____________
● وما علاقة الصدق بالفرح...؟

الصدق والفرح بينهما تلازم، فإذا تحقق الصدق حصل الفرحُ ولابد...!

• يقول ابن رجب رحمه الله: من لزِم الصدق في طلبه، أداه إلى مقعد الصدق..
ثم قرأ ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾

• ثم يأتي فرح ُالصادقين، ولحظة التتويج التي ينتظرها كل صادق .. يوم أن يقول لهم ربهم ﴿ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾_المائدة119

•[الصدق] هو مفتاح السعادة ..
هو النور الذي إذا أطلّ على القلوب أشرقت واستنارت وبُوركت..

هو المخرج من كل زيف أو نفاق أو تمثيل أو خداع..

هو الذي يقفز بك وإن كنت في آخر الركب..!

هو السر الذي يُرزق به العبد حلاوة الإيمان..

ليس النعيم بمأكلٍ أو مشرب
                  إن النعيمَ حلاوةُ الإيمان

• اللهم ارزقنا الصدق معك ،،،
_____________

● وما علاقة الصدق برمضان؟

• لا تدخل رمضان إلا وأنت صادق..
أهم عدةٍ تدخل بها "عدة الصدق" ..
﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾

• كن صادقا في احتياجك،،
فانتظر رمضان انتظار من أثقل ظهره بالذنوب ويريد أن يتخفف منها..
والمرءُ لا يحمل على عاتقه أُثقل من ذنوبه..
انتظره وأنت تريدُ أن تتعرض لنفحات الله، عسى أن تصيبك نفحةٌ منها فتسعد ...!

• كن صادقا في عزمك، فالمواسم الفاضلة تحتاج إلى عزم ..
لا تتوانى ولا تتراخى ولا تسوّف ولا تتململ ، خذ أمرك بالعزيمة وامضي....
فالكسلان لا ينال منزلةً ولا يدرك مكرمةً..
والكسل هو أصل كل خيبةٍ وفشل وحرمان...  

• كن صادقا في استعانتك،،
فكلما عظمت استعانتك أتاك المدد من السماء، وفتحت لك الأبواب وبُسطت عليك البركات ...

• كن صادقا في تخطيطك،،
ما لم تملك خطةً وأهدافا ستبقى في العراء دائما..
فرقٌ كبير بين من يدخل رمضان على بصيرة وبين من يدخله مبعثرا، عائما، لم يضع لنفسه خطة ولا جدولا ولا مهاما...
فهذا أمرٌ لا يليق برمضان وبتعظيم رمضان ...

• وتذكر وأنت في هذا الموسم الربيح والزمان الفاضل .. [أن البعثرة لا تُوصل للكمال !] ..
_____________

• كن صادقا في تخليتك وتصفيتك وتطهيرك..
"فعمّار الآخرة في مضمار سباق"..!
لا يجري في هذا السباق إلا من كان خفيفا..
فإذا دخلت السباق وأنت مثقل لن تُعان..

•القلوب التي فقدت التقوى لن تُعان...

• القلوب المشغولة بالفواحش والخيانات والحرام لن تُعان..

•القلوب المملؤة بالعلل والأسقام والأمراض من كبر وحسد وبغض وحقد وضغائن وتناحر وتشفي وانتقام وأثرة وسوء ظن ....... لن تعان..

•القلوب المشغولة بالدنيا والتفاهات والترهات والأسواق والرحلات والسفريات والكافيهات والجوالات والدخول والخروج ..... لن تعان...

•القلوب المملؤة "غفلة"، لن تُعان..

•القلوب المحشوة بالظلم والأذية والهجر والقطيعة لن تُعان...

[رمضان لا يُستغل إلا من قلب تفرغ لاستغلاله..! ]
_____________

● كن صادقا في عبادتك،،

ومن أراد أن يبني نفسه بناءً تعبدياً ويكون في مصاف العباد الصادقين عليه بهذه المفاتيح...

• الاستعانة بالله،،
كلما كانت الاستعانة في قلوبنا كالجبل نزل المدد من السماء كالماء المنهمر..

• الوقت،،
كن شحيحا في وقتك، فإذا ضاع وقتك ضاع حظك من الله..

• الإحسان،،
أي إتقان العبادة وصدقها، إذ لا يبني عباداته على الغش..!
فإذا صلى صلى بصدق..
وإذا قرأ القرآن قرأه بصدق..
وإذا اعتمر أو تصدق أو صام أو بر والديه أو قام بأي طاعة، يقوم بها بصدق...

• الصبر،،
صبرك على الطاعة ومجاهدة نفسك عليها..
 
[فما من عبدٍ تحامل على نفسه ونصب قدميه بين يدي ربه، بالرغم مافيه من تعب ونصب أو ضيق أو ثِقل .. إلا فتح الله أبواب الرحمة في وجهه ....! ]
_____________

● كُن صادقا في ليلك،،

ليل رمضان يختلف عن أي ليل..!
الله سبحانه وبحمده اختار الليل لينزل فيه القرآن، واختار الليل لتكون فيه ليلة القدر..
واختار الليل ليتم فيه أعظم مجلس مدارسة بين "أعظم مَلَك" في السماء وهو جبريل عليه السلام و "أعظم إنسان" في الأرض محمد صلى الله عليه وسلم..

• الليل شأنه عظيم...
هو سوق الآخرة، وعُمق المضمار، وركيزة السباق ..

• يقولون [من خدم بالليل وصل!]..
عبادة الليل هي التي تُثري إيمانك، هي التي تقربك، تُدنيك ..
فيها مجافاةٌ للفُرش، فيها بكاء، فيها دعاء، فيها قرآن، فيها خفاء ...

فيالسخافة عقولنا وعظيم خسارتنا إن ضيعنا الليل في رمضان...!
_____________

● كن صادقا مع القرآن،،،

رأس الاعمال الصالحة ومادة العمل الكبرى في رمضان هو "القرآن"..

• يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه :
"ما تقربتم إلى الله بشيء أعظم من كلامه.."
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه:
"القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره.."

• الملائكة تتسابق إلى البيت الذي فيه قائم بالليل يصلي ويقرأ القرآن..

• ونحن مع القرآن في رمضان على خطين:

》الأول: أن نكون كالحالّ المرتحل، وهو المسافر الذي لا يتوقف، كلما انتهى من مرحله بدأ بالأخرى وهكذا..
تختم وتعيد، وكلما انتهيت من ختمة بدأت في أخرى .. تتاجر مع ربك بكثرة تلاوة القرآن، ولا ترضى لنفسك بالقليل ..
عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القران...."
"يا أبا ذر عليك بتلاوة القرآن فإنه نورٌ لك في الأرض وذخرٌ لك في السماء" ..
"لا أقول الم حرف ولكن الفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف......"

• وهذه هي القراءة المفضولة والتي يقرأ فيها القارئ بسرعة متوسطة وشئ من الترتيل، وقد يفهم بعض الآيات ولا يفهم بعضها الآخر .. فيخرج  على أقل تقدير بأجر الحروف أي ما يقارب الثلاثة ملايين حسنة...!!

وهذا فضل ٌعظيم ورزقٌ كريم، فكيف إذا وافق زمانٌ فاضل تتضاعف فيه الحسنات.. فكم وكم يحصّل قارئ القرآن من الحسنات ويغرف من الأجور..؟

نسأل الله من فضله....
_____________

● القراءة الفاضلة:
وهي الأكمل والأعلى درجة والأكثر أجرا..
وهي قراءة القرآن بالتدبر والتأمل والتفهم...

وهذه تحتاج منك:

•نية ٌصادقة،، فالنية مؤثرةٌ على العمل، ونيتك هي التي تحدد مقدار منفعتك، اقرأ بنية الانتفاع، ونية البحث عن الهداية والصلاح والنور والبركة والشفاء والموعظة...

• اقرأ على مُكث وتأني حتى تلامس الآيات قلبك وتحركه، فالتدبر والعجلة لا يلتقيان..

• اقرأ بمصحفٍ فيه تفسير

• كن مُعظماً ومتأدباً، فالأدبُ يفتحُ لك الطريق .. والتعظيم تُرزق به من الفتوحات والإستنباطات والبركات الكثير الكثير....

• كن حريصاً على الاستعاذة حتى يطرد الله عنك الشيطان ويزيل عنك الأغلاق والأقفال ..

• وأنت تقرأ ابحث عن اللطف في القرآن، والرحمة في القرآن، وعن الإيمان والشفاء في القرآن، وعن تربية الله لعباده .. وستخرج بعد قراءتك بخير كثير...!

• احرص على كتاب تفسير مختصر يرافقك اثناء قراءتك..
وإن استطعت ان تخصص جزء من وقتك لدراسة سورة كاملة في رمضان فهذه عطية كبرى..
_____________

● كن صادقا في تنوع عبادتك،،،

فالراجي الطامع في فضل ربه لا يدع بابا من أبواب البر إلا ويلجه..

• فإذا نظر الله للتائبين رآه معهم،
وإذا نظر للمتصدقين رآه معهم،
وإذا نظر للمصلين رآه معهم..
وإذا نظر للخاشعين الباكين رآه معهم...

فاجتماع أعمال البر في وقت واحد لها أجرٌ عظيم..

• وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والكيّس ُلا يزال يأتي من الحسنات ما يمحو به السيئات..."

• ومن رحمة الله بعباده أن جعل أبواب البر كثيرة، قال صلى الله عليه وسلم:
"إن أبواب الخير لكثيرة، التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتُسمع الأصم وتهدي الأعمى وتدلّ المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة ٌ منك على نفسك" ..
_رواه ابن حبان في صحيحه.
_____________

• وبعد هذا المشوار الذي قطعناه مع الصدق ... وليس هو بالمشوار الهين السهل...!

بل فيه ما فيه من الصعوبة والأشواك والعوائق والصوارف، وأذى النفس ومراوغتها، والناس وتقلباتهم، والدنيا وفتنتها، والشيطان وتسلطه....

• تأتي لحظة التتويج الكبرى،
والعرس الكبير،
إنه عُرس الصادقين...

أتت اللحظة التي سيفرح بها كل صادق
صدق في رمضان،
وصدق في عمره كله...

أتعرفون ما هي....؟؟

إنها يوم يُقال لهم هم فقط لا لغيرهم..

﴿ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾ ...

لحظةٌ تُنسينا كل ألم وتعب وصبر ومصابرة وجهادٍ ومجاهدة....

يارب إنا ببابك واقفون، مُتعرضون ملحّون، جئناك ببضاعة مزجاة فأوفي لنا الكيل وتصدق علينا...واجعلنا من الصادقين.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق